حياة الإسكندر المقدوني
ولد في عام 336ق.م كما ذكرنا, وقد صادفت ولادة الإسكندر انتصار لوالده فيليب على الألليريين كما صادفت انتصار لخيل لوالده فيليب في سباق الأولمبياد آنذاك, ومن الأشياء التي تذكر عن الإسكندر أنهُ وحين كان عمره في الثانية عشر قال عن حروب والده "إذا ظل أبي يفتح البلاد, فلن يتبقى لي بلاد أفتحها", وفي الثالثة عشر من عمره قابل وفد من بلاد فارس وظل يحكي معهم عن جغرافية آسيا الصغرى ومداخلها ومخارجها الأمر الذي استغرب منه كل الحاضرين نظرًا لصغر سنه وإلى أنهُ لم يزر آسيا الصغرى بعد!, وفي نفس العمر استدعى والده فيليب الفيلسوف أرسطو طاليس ليشرف على تربية ابنه الإسكندر حتى قال الإسكندر عنه "إن أبي هو الذي وهبني الحياة ولكن أرسطو هو الذي علمني كيف أحيا", ومن الأشياء التي كانت تدل على نبوغ الإسكندر مع معلمه أن أرسطو سئل الطلاب ومن بينهم الإسكندر ماذا يفعلوا إذا صدفوا أمرًا ما فبدا كل واحد منهم يجيب حسب خياله إلا الإسكندر الذي قال "لا أدري" فحين أواجه ذلك الموقف سأعرف!, وحين بلغ سن السادسة عشر جعله والده فيليب على عرش المملكة في فترة غيابه في حملة ضد إقليم بيزنتيوم "بيزنطة" فحدثت ثورة في فترة غيابه إلا أن الإسكندر ذهب إليها وأخمدها, وفي سن الثامنة عشر شارك مع والده في معركة خيرونيا التي تحدثنا عنها مسبقًا في عام 338ق.م, وفي عامه التاسع عشر خرج مع والدته حين نفاها فيليب إلى مملكة أخيها في إبيروس, ومما يذكر عن الإسكندر المقدوني أنهُ كان يتجنب الأطعمة الدسمة وقد رد أكبر الطهاة في عصر وكان يقول "إن مشيًا خفيفًا في الليل كافي إلى أن يقوي شهوتي للفطور, وإن فطورًا خفيفًا في الصباح كافي إلى أن يقوي شهوتي للغداء", كما كان معتدلاً في الشراب أيضًا إلا في آخر أيامه التي ازداد فيها شربهُ للخمر, كما كان وسيم الشكل ذا عينين زرقاوين وشعر أصحر.
الإسكندر المقدوني يتولى الحكم
تولى حكم مقدونيا وعمره عشرون عامًا, وأول ما تولى الحكم ثارت كل المدن ضده ظانين بأنهُ لا زال صغيرًا ولن يكون كأباه إلا أن الإسكندر وبسبب ذكائه ترك كل المدن الثائرة وأتجه إلى أقواها وهي مدينة طيبة في جنوب اليونان وأخضعها وبالتالي خضعت كل المدن الأخرى, وفي طريقه للعودة ذاعت إشاعة بأنهُ مات فثارت طيبة والمدن مرةً أخرى فعاد الإسكندر إلى طيبة وقتل منها ثمانية آلاف وباع في سوق الرقيق ثلاثون ألفًا مما بث الرعب في قلوب الجميع وجعلهم يحسبون للإسكندر ألف حسابٍ وحساب, وبعد هذا كله أقام الإسكندر مؤتمر كورنثه الثاني في عام 336ق.م والذي ينص على ما نص عليه مؤتمر كورنثه الأول في عام 338ق.م إلا أن الإسكندر كان مكان أبيه في هذه المرة, وبدأ الاستعداد لإسقاط الامبراطورية الفارسية والتي كان يحكمها في ذلك الوقت حاكم ضغيف يدعى "داريوس" دارا الثالث.
حملة الإسكندر المقدوني إلى الشرق
زار مدينة طروادة ومن ثم قابل فرع من فروع الجيش الفارس بالقرب من نهر جرانيكوس وهنالك دارت معركة انتصر فيها الإسكندر وواصل بعدها سيره جنوبًا, وأثناء ما كان يواصل سيره كانت المُدن تدخل في حكمه إما طوعًا أو كرهًا, وفي مدينة إيسوس "طرابلس حاليًا" قابل الإسكندر داريوس في معركة سُميت بإيسوس وأنتصر فيها الإسكندر أيضًا, بل وهرب داريوس منها تاركًا أهله خلفه, أمه وزوجته وبناته واقعات بأسر الإسكندر, وقد عاملهن الإسكندر معاملة طيبة قائلاً "إني لا أحارب شخص داريوس ولكن أحارب من أجل ملكه فقط", بعد ذلك لا يتتبع الإسكندر داريوس الهارب شرقًا وإنما يتجه غربًا مستوليًا بذلك على مُدن الشام الواحدة تلو الأخرى وفي أثناء ذلك أرسل داريوس رسالةً للإسكندر يطلب فيها إطلاق سراح عائلته والمصالحة إلا أن الإسكندر يرفض, ويواصل السير حتى وصل إلى مدينة "صور" والتي يرابط بها الأسطول الفارسي وهنالك حاصرها الإسكندر سبعة أشهر, وبعد استسلامها قام الإسكندر بقتل ثمانية ألآف من أهلها وبيع ثلاثين ألفًا منهم في سوق الرقيق, وأثناء ما كان الإسكندر يحاصر مدينة صور تلقى رسالة ثانية من داريوس يعرض فيها الصلح وإعطائه عشرة ألآف تالنت وأن يأخذ كل الأراضي الواقعة غرب نهر الفرات وأن يزوجه إحدى بناته إلا أن الإسكندر أيضًا يرفض ويرد عليه بأنه يجب أن يخاطبه على أنه ملك كل ما ملك, بعد ذلك سار إلى مدينة غزة والتي قاومته مدة ثلاثة أشهر, اتجه بعدها ودخل مصر, ويرى المؤرخون بأن ذلك يظهر عبقرية الإسكندر المقدوني إذ أنهُ وباستيلائه على هذه السواحل فستكون ملجأ له في حالة الهزيمة, كما سيجعل من مصر والتي تعتبر "سلة الغذاء في العالم القديم" ممولاً لجيوشه, وكذلك من أجل أن يقضي على الأسطول الفارسي والذي يرابط في مدينة صور التي أسقطها وقتل وباع من أهلها من قتل وباع, وما أن دخل مصر في عام 332ق.م حتى اتجه إلى عاصمتها "منف" الفرما حاليًا, وقام الوالي الفارسي مازاكسي بتسليمه مفاتيح البلدة والاستسلام له, واستقبل أهل مصر الإسكندر استقبال الفاتحين فقد رأوا به منقذ لهم من الفرس, كما عاملهم الإسكندر بالترحيب أيضًا كما اتجه بعد ذلك إلى معبد الإله "بتاح" وقدم له القرابين ونصبه كاهن المعبد فرعونًا من فراعنة مصر وقام بعد ذلك بعمل مهرجان كبير لإظهار العادات والتقاليد والرقصات والألعاب اليونانية للشعب المصري ولكي يروح عن جنده الذين أهلكتهم المسافات والحروب, ومن ثم اتجه الإسكندر إلى معبد الإله "آمون" كبير الآلهة عند الفراعنة والذي يقع في واحة سيوة التي يفصلها عن مصر العمرانية الصحراء الغربية, وفي الطريق وحين وصل الإسكندر إلى الساحل شاهد قرية يسكنها البحارة تسمى قرية "راقودة" وكانت جزيرة "فاروس" تطل عليها من الشمال قرر أن تُبنى "الإسكندرية" مكان هذه القرية وأن تُتخذ عاصمة لمصر, بعد ذلك عبر الصحراء الغربية وزار معبد الإله "آمون" في واحة سيوة واستقبله كاهن المعبد على أنهُ ابن لآمون, ومن ثم عاد إلى منف نقطة دخوله ورتب أمور الحكم في مصرحيث قسمها إلى أربعة أقسم شمالي وجنوبي وشرقي وغربي وجعل لكل قسم والي كي لا يستقل أحدهم عن الآخر بحكم البلاد ويستولي على مصر, وجعل المسئول عن الشئون المالية وجمع الضرائب من الولاة "كليومنيس النقراطيسي".
وصية الإسكندر المقدوني
في أثناء عودته من إحدى المعارك التي حقق فيها انتصاراً كبيراً، وحين وصوله إلى مملكته، اعتلّت صحة الأسكندر المقدوني ولزم الفراش شهوراً عديدة، وحين حضرت المنية الملك الذي ملك مشارق الأرض ومغاربها ـ وأنشبت أظفارها، أدرك حينها الأسكندر أن انتصاراته وجيشه الجرار وسيفه البتار وجميع ماملك سوف تذهب أدراج الرياح ولن تبقى معه أكثر مما بقت، حينها جمع حاشيته وأقرب المقربين إليه ، ودعا قائد جيشه المحبب إلى قلبه ، وقال له:
- إني سوف أغادر هذه الدنيا قريباً ولي ثلاث أمنيات أرجوك أن تحققها لي من دون أي تقصير.
- فاقترب منه القائد وعيناه مغرورقتان بالدموع وانحنى ليسمع وصية سيده الأخيرة.
- قال الملك:
وصيتي الأولى: أن لايحمل نعشي عند الدفن إلا أطبائي ولا أحد غير أطبائي.
والوصية الثانية: أن ينثر على طريقي من مكان موتي حتى المقبرة قطع الذهب والفضة وأحجاري الكريمة التي جمعتها طيلة حياتي.
والوصية الأخيرة: حين ترفعوني على النعش أخرجوا يداي من الكفن وأبقوها معلقتان للخارج وهما مفتوحتان.
- حين فرغ الملك من وصيته قام القائد بتقبيل يديه وضمهما إلى صدره، ثم قال: ستكون وصاياك قيد التنفيذ وبدون أي إخلال، إنما هلا أخبرني سيدي في المغزى من وراء هذه الأمنيات الثلاث؟
- أخذ الملك نفساً عميقاً وأجاب: أريد أن أعطي العالم درساً لم أفقهه إلا الآن ، أما بخصوص الوصية الأولى ، فأردت أن يعرف الناس أن الموت إذا حضر لم ينفع في رده حتى الأطباء الذين نهرع إليهم إذا أصابنا أي مكروه ، وأن الصحة والعمر ثروة لايمنحهما أحد من البشر.
وأما الوصية الثانية، حتى يعلم الناس أن كل وقت قضيناه في جمع المال ليس إلا هباء منثوراً، وأننا لن نأخذ معنا حتى فتات الذهب.
وأما الوصية الثالثة، ليعلم الناس أننا قدمنا إلى هذه الدنيا فارغي الأيدي وسنخرج منها فارغي الأيدي كذلك.
- كان من آخر كلمات الملك قبل موته: أمر بأن لا يبنى أي نصب تذكاري على قبره بل طلب أن يكون قبره عادياً ، فقط أن تظهر يداه للخارج حتى إذا مر بقبره أحد يرى كيف أن الذي ملك المشرق والمغرب، خرج من الدنيا خالي اليدين.