الشهيد قاضـي محمد
١٩٠١- ١٩٤٧
الشهيد قاضي محمد ابن القاضي علي بن قاسم بن ميرزا احمد، ولد في مدينة مهاباد سنة ١٩٠١، كانت امه من عشيرة فيض الله بك، حيث كان لها صيت ذائع في مملكة موكريان. اذ اعدم بتأريخ ٣١/ ٣/ ١٩٤٧ على يد الايرانيين بمهاباد في ساحة (جوار جرا)، مع رفاقه، في سبيل المبدأ الذي امتزج بدمه الزكي..
كان" قاضي محمد رجلا ذا قامة طويلة، ولحية خفيفة، وكانت الابتسامة لا تفارقه، وتتسم شخصيته بالوقار... اتقن العلوم الاسلامية، ولم يقف في هذا الحد بل تطرق الى العلوم المعاصرة، حيث اتقن اللغتين: الانكليزية والروسية قراءة وكتابة.
وعندما افتتحت اول مدرسة في مهاباد، عين قاضي محمد كمسؤول ثقافي لهذه المنطقة دون ان يأخذ الراتب من الحكومة... ويشجع الناس لتعلم العلوم والفنون... عارض القبلية بشدة، لهذا كثيرا ما يواجه عدوانية الاقطاعيين، فكان سندا قويما للفلاحين والكادحين، وكان متأثرا بالافكار الديمقراطية والوطنية.
قبل بروز (عصبة احياء كوردستان –ز.ك-) في ساحة النضال، انضم قاضي محمد في ثلاثينيات القرن المنصرم" الى حزب (خويبون)، والذي اعلن نضاله سنة ١٩٢٧ بمعاونة احسان نوري باشا في كوردستان الشمالية. وعندما كان اعضاء حزب (ز.ك) اقل من عشرين عضوا التحقوا بقاضي محمد وهو بدوره التزم بمبادئهم فقاموا بنشر افكارهم وبرامجهم بين الناس.
وللغرض نفسه التحقوا بكوردستان تركيا والعراق، وقد ناقش السيد (محمد امين شريف) عضو الهيئة القيادية للحزب، هذا الامر مع الوطنيين الماثلين في كوردستان العراق، وقاموا بعقد مؤتمر ثلاثي بين الملا عبد الوهاب ممثل كورد تركيا والشيخ عبدالله ممثل كورد العراق وقاسم قادري العضو المؤسس لـ(ز.ك). وقد تم التوصل الى توقيع عدة قرارات مهمة، ابرزها هو مدّ يد العون الى الاخر والعمل كيد واحدة من اجل تحرير شعب كوردستان مستقبلا. وكذلك نيل تقرير مصيره.
لقد واصلت العصبة الديمقراطية جهودها في خدمة اهل المنطقة وتمشية امورهم، فشرع بقطع صلاتهم بطهران يوما بعد آخر الى ان حشد اناس جمّ في ١٦/ ١٢/ ١٩٤٥ بساحة (جوار جرا) قاموا باحتفال كبير، تفعمه السعادة والرفاه، فاعلن قاضي محمد في ذلك اليوم التاريخي انقطاع منطقة موكريان من حكومة طهران ، فنزّلوا راية حكومة طهران من المؤسسات والمدارس واعلوا راية كوردستان بدلا منها، التي هي مكونة من الاعلى من لون احمر ووسطها ابيض، واسفلها اخضر. فالابيض منها يساوي اربعة اضعاف الالوان الاخرى، حيث يتوسط الابيض نصف كرة شمسية مع سنبلتين بجانبيها بلون اصفر واعلاها قلم، وكتب فوق جميعها (دولة جمهورية كوردستان).
بهذه المناسبة القى الضابط محمد قودسي كلمة بين حشد من الناس الحاضرين، حيث قال: سادتي: ايها الشعب الكرام والشرفاء، ايها العمال.. اشرقت شمس اليُمن والبركة على الثورة الكردية ، هذا اليوم مبارك وميمون، لذلك نرى ان صناديد الكرد يرفعون العلم بايديهم المتبطشة.
اخوتي الاعزاء: بهذه المناسبة الميمونة اهنئ الشعب الكوردي في هذه البقعة، ثم استطرد بالقول: يا شعب كوردستان، هل تدرون الى ماذا تشير تلك الالوان في راية كوردستان؟ اللون الاحمر فيها علامة للثورة وكذلك شجاعة الشعب الكوردي، واللون الابيض فيها علامة النقاوة وصفاء قلب هذا الشعب. واللون الاخضر يشير الى ان ارض كوردستان ارض خصبة ومفعمة بالزراعة والاشجار كما تكمن فيها معادن كثيرة، وتصيح ان شمس استقلالنا اشرقت. والسنبلتان تناديان الفلاح الكوردي بان عليه ان يستثمر ارضه ويستفيد من اكلها. والقلمان يومئان الى ازدهار العلم بين افراد المجتمع.
يوم ٢من كانون الثاني عام ١٩٤٦ عُقد اجتماع كبير مؤلف من اكثر من عشرين الف شخص، حيث اعلنوا بالاجماع تأسيس جمهورية ديمقراطية في جزء من كوردستان برئاسة قاضي محمد، تهدف الى تأمين مستقبل زاهر للشعب الكوردي الذي منذ القدم ينتظر يوما كهذا.. وقد جرت تلك المراسيم في ساحة جوار جرا.
صعد قاضي محمد الى مكان عال حيث أُعد لهذا الكرنفال على مرأى من الناس، مستقطبا بالورود وراية كوردستان وصور رئيس الجمورية، اذ القى كلمة قال فيها: (اليوم استطاع الشعب الكوردي ان يؤسس جمهورية " من داخله ذاته، لكي يعيش كشعب مستقل في ارضه بحرية.
علينا ان نخطو نحو التعليم والصناعة و الزراعة، لنثري من خلالها شعبنا، لنستخرج تلك المعادن الماثلة داخل ارضنا، سنعمل كل ما فيه خير لشعبنا.. حتى تكون النتيجة لصالحنا، فاذا لم تكن المحصلة النهائية لصالحنا فاننا بلغنا رسالتنا وادينا واجبنا الذي وقع على عاتقنا. وينبغي ان لا نتشاءم ابدا..).
لقد تفتحت افئدة السامعين بكلماته الرنانة، بعد ذلك اعلن السيد محمد حسين سيفي القاضي الذي وقف بجانب القاضي محمد بزيّ سيادي (جنرالي)، انه سيكون قاضي محمد رئيسا للجمهورية وذلك نابع من رضا الناس بجميع شرائحه. ومن ثم شكر رئيس الجمهورية الحاضرين لاستعدادهم وحضورهم وكذلك انتخابهم اياه كرئيس الجمهورية ولا شك ان ذلك يدل على ثقة الناس بقاضي محمد وهم واثقون من انه سيكون موقع الثقة والامانة. بعدها قام الطلاب باستعراض جميل ومن ثم انتهى الحفل.
بعد عملية انتخاب قاضي محمد رئيسا للجمهورية، شرع بمشاوره اعضاء العصبة الديمقراطية والوطنيين الاخرين لتشكيل الوزارات، وتم تشكيلها يوم ١١/٢/ ١٩٤٦ بالشكل الاتي:
١-الحاج بابه شيخ رئيس الوزراء
٢-محمد حسين سيف وكيل وزير الدفاع
٣-مناف كريمي وكيل وزير التربية والعلوم (التعليم)
٤-محمد امين معيني وزير الداخلية
٥-عبدالرحمان اليخاني زاده وزير الخارجية
٦-محمد ايوبيان وزير الصحة
٧-محمود ولي زاده وزير الزراعة
٨-خليل خوسروي وزير العمل
٩-احمد الاهي وزير الاقتصاد
١٠-ملا حسين مجدي وزير العدل
١١-مصطفى داودي وزير التجارة
١٢-صديقي حيدري وزير الارشاد
١٣-اسماعيل خاني وزير الري (الطرق)
١٤-كريم احمدي وزير المواصلات
كما هو سائد في جميع الدول، ينبغي للقائد او الرئيس الجديد، ان يؤدي اليمين القانوني لهذا الغرض امر قاضي محمد بحضور اعضاء الهيئة القيادية للعصبة الديمقراطية والوزراء لمراسيم اليمين الدستوري فامسك وزير العدل السيد ملا حسين مجيد راية كوردستان بيده، فسبقهم حتى ولجوا غرفة القاضي محمد، فقام قاضي محمد وقام الوزراء معه، فأدى قاضي محمد هذا القسم: (اقسم بالله وبالقران الكريم، وبالوطن وبكرامة شعب كوردستان ورايته التي نفتخر بها، ان اخدم واسعى الى آخر نفس حياتي، من اجل تحرير هذا الشعب و اعلاه هذه الراية، كما افتخر بكوني اتسنم منصب رئاسة الجمهورية ووحدة الكورد مع اذربيجان واعمل ما بوسعي من اجل بقاء هذا الهدف المنشود).
بعد ذلك تعهد الوزراء واعضاء الهيئة القيادية للعصبة الديمقراطية، بنية خالصة ان يتجاوزوا جميع المعوقات التي تعرقل تسيير اعمالهم ويعملوا من اجل سعادة الشعب الكوردي، حيث انهم بانتظار هذا اليوم المبارك منذ القدم.